متى نغلظ على الكفار والمنافقين ومتى نلين لهم القول ؟
إن الناظر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد نصوصا فيها الأمر بالإغلاظ على الكفار والمنافقين مثل قوله تعالى : (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) (التحريم 9) ونصوصا أخرى فيها رفق النبي صلى الله عليه وسلم بهم وإلانته القول لهم ، فنجد في هذه الآية أن الأمر بالغلظة مقرون بالأمر بالجهاد بينما النصوص التي فيها إلانة القول لهم نجدها واردة في مقام الدعوة
ففي مقام الدعوة أنت مأمور باللين والرفق معهم ، قال تعالى لما أمر موسى وهارون بدعوة فرعون ( فقولا له قولا لينا ).
وانظر كيف كان إبراهيم يدعو أباه ( يا أبت … ).
وانظر إلى أسلوب دعوة الأنبياء قومهم في كتاب الله تجده في غاية اللين والرفق ، وانظر إلى لينه صلى الله عليه وسلم مع الكفار والمنافقين الذين يدعوهم.
فكان صلى الله عليه وسلم يكني عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بكنيته المعروف بها وهي أبو حباب ففي صحيح البخاري : ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب ، يريد عبد الله بن أبيّ ، قال كذا وكذا .. ) ولما مات ابن سلول وهبه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفن فيه ، وكذلك عفوه عن مشركي قريش يوم الفتح وغير ذلك مما لا يخفى ، ولا يعقل أنك تريد أن تدعو كافرا إلى الإسلام فترفع عليه العصا وتغلظ له القول وتقول له : ( أسلم يا كافر! وإلا عاقبتك بكذا .. ) فلن يسلم إلا أن يشاء الله ، ولكن إن دعوت الكفار بعبارة لطيفة مع زيارتهم والإهداء إليهم وحسن معاملتهم فستجدهم إن شاء الله يدخلون في دين الله أفواجا ، وهذا شيء معلوم مشاهد .
وحديثنا هنا عن كون الأصل هو الرفق واللين في باب الدعوة وهذا لا يمنع أنه إن وجد من المدعوين من الإساءة والإيذاء ما ظهرت معه مصلحة في الإغلاظ عليهم لكفهم عن ظلمهم فيفعل ما تقتضيه الحكمة والمصلحة ويظل هذا استثناء من الأصل.
وأما إذا قامت الحرب بينك وبينهم وكنت مقاتلا لهم في الميدان فأغلظ عليهم حتى تضع الحرب أوزارها ، كما أغلظ صلى الله عليه وسلم على يهود بني قريظة حين قامت الحرب بينه وبينهم ، مع أنه كان يتألفهم قبلُ في المدينة . فيلرم إذن التفريق بين مقامين : 1مقام الجهاد 2مقام الدعوة
والتفرقة بين هذين المقامين مما يخفى على كثير من الناس فيقعون في تصرفات لا تحمد عقباها وأما قول بعض الناس بأن الرفق أو الغلظة يرجع إلى التفريق بين من ظهر نفاقه ومن لم يظهر فتفريق غير صحيح ، فقد كان صلى الله عليه وسلم ألين الناس في معاملة رأس المنافقين ابن سلول ، ولم يكن أحد أظهر نفاقاً منه ، وأمر موسى صلى الله عليه وسلم باللين في دعوة فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى ولم يكن أحد أظهر كفراً منه .
|