HTML Editor - Full Version
شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - شرح فضيلة الشيخ د.وليد بن إدريس المنيسي من بيان حكم الحلف بغير الله والتوسل والاستغاثة والاستعانة بالمخلوق إلى التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره
الفصل الحادي عشر
في بيان حكم الحلف بغير الله والتوسل والاستغاثة والاستعانة بالمخلوق
أ- الحلف بغير الله:
الحلف: هو اليمين- وهي توكيد الحكم بذكر معظم على وجه الخصوص. والتعظيم: حق لله تعالى فلا يجوز الحلف بغيره، فقد أجمع العلماء على أن اليمين لا تكون إلا بالله أو بأسمائه وصفاته، وأجمعوا على المنع من الحلف بغيره، والحلف بغير الله شرك لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " وهو شرك أصغر. إلا إذا كان المحلوف به معظما عند الحالف إلى درجة عبادته له فهذا شرك أكبر. كما هو الحال اليوم عند عباد القبور فانهم يخافون من يعظمون من أصحاب القبور أكثر من خوفهم من الله وتعظيمه بحيث إذا طلب من أحدهم أن يحلف بالولي الذي يعظمه لم يحلف به إلا إذا كان صادقا، وإذا طلب منه أن يحلف بالله حلف به وان كان كاذبا.
فالحلف تعظيم للمحلوف به لا يليق إلا بالله ويجب توقير اليمين بالله فلا يكثر منها- قال تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين) وقال تعالى: (واحفظوا أيمانك) أي لا تحلفوا إلا عند الحاجة وفي حالة الصدق والبر- لأن كثرة الحلف أو الكذب فيها يدلان على الاستخفاف بالله وعدم التعظيم له وهذا ينافي كمال التوحيد، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " وجاء فيه: "ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه ". فقد شدد الوعيد على كثرة الحلف مما يدل على تحريمه احتراما لاسم الله تعالى وتعظيما له سبحانه.
وكذلك يحرم الحلف بالله كاذبا وهي الغموس [هي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وهي التي يحلفها على أمر ماض كاذبا عالما]. وقد وصف الله المنافقين بأنهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون.
فتلخص من ذلك:
1- تحريم الحلف بغير الله تعالى كالحلف بالأمانة أو الكعبة أو بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك شرك.
2- تحريم الحلف بالله كاذبا متعمدا وهي الغموس.
3- تحريم كثرة الحلف بالله ولو كان صادقا إذا لم تدع إليه حاجة لأن هذا استخفاف بالله سبحانه.
4- جواز الحلف بالله إذا كان صادقا وعند الحاجة.
ب. التوسل بالمخلوق إلى الله تعالى:
التوسل: هو التقرب إلى الشيء والتوصل إليه، والوسيلة القربة، قال الله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) أي القربة إليه سبحانه بطاعته واتباع مرضاته.
والتوسل قسمان:
القسم الأول ـ توسل مشروع وهو أنواع:
ا- النوع الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته كما أمر الله تعالى بذلك في قوله: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)
2- النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان والأعمال الصالحة: التي قام بها المتوسل كما قال تعالى عن أهل الإيمان: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار). وكما في حديث الثلاثة انطبقت عليهم الصخرة فسدت عليهم باب الغار فلم يستطيعوا الخروج فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم فخرجوا يمشون.
النوع الثالث: التوسل إلى الله تعالى بتوحيده كما توسل يونس عليه السلام: (فنادى في الظلمات أن لا له إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
النوع الرابع: التوسل إلى الله تعالى بإظهار الضعف والحاجة والافتقار إلى الله كما قال أيوب عليه السلام (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).
النوع الخامس: التوسل إلى الله بدعاء الصالحين الأحياء وكما كان الصحابة إذا أجدبوا طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ولما توفي صاروا يطلبون من عمه العباس رضى الله عنه فيدعوا لهم.
النوع السادس: التوسل إلى الله بالاعتراف بالذنب:(قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي).
القسم الثانى. توسل غير مشروع:
وهو التوسل بما عدا الأنواع المذكورة في التوسل المشروع كالتوسل بطلب الدعاء والشفاعة من الأموات، والتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل بذوات المخلوقين أو حقهم، وتفصيل ذلك كما يلي:
ا- طلب الدعاء من الأموات لا يجوز:
لأن الميت لا يقدر على الدعاء كما كان يقدر عليه في الحياة، وطلب الشفاعة من الأموات لا يجوز لأن عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حيا كالعباس وكيزيد بن الأسود، ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا عند غيره، بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد، وقد قال عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا، فجعلوا هذا بدلا من ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه. وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به [مجموع الفتاوى 1/318] يعني لو كان جائزا. فتركهم لذلك دليل على عدم جواز التوسل بالأموات لا بدعائهم ولا بشفاعتهم فلو كان طلب الدعاء منه والاستشفاع به حيا وميتا سواء لم يعدلوا عنه إلى غيره ممن هو دونه.