1- قال تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذي ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.
أثنى الله على عباده المتقين ووصفهم بالإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس والإحسان إلى الخلق، ووعدهم جنة عرضها السموات والأرض فكيف بطولها؟ وأخبر سبحانه أنه يحبهم.
2- عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: «ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة» [رواه الطبراني وحسنه الألباني].
3- قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى والعافين عن الناس أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد وهذا أكمل الأحوال. أ.هـ.
مراده بأكمل الأحوال أي الأربعة:
أ- جزاءه السيئة بأسوأ. ب- جزاء السيئة بمثلها. ج- العفو عن المسيء. د- الإحسان إلى المسيء. «صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك».
4- أمر الله تعالى بالعفو والصفح في مواضع من كتابه منها قوله تعالى في خطاب نبيه : «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر».
5- قال ابن كثير: المراد بالفظ هنا غليظ الكلام لقوله بعد ذلك: غليظ القلب، أي لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب لانفضوا عنك وتركوك ولكن الله جمعهم عليك وألان جانبك لهم تأليفاً لقلوبهم.
كما قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: إنه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.
6- ومنها قوله سبحانه تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم.
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون.
7- ومنها وقوله سبحانه: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين.
8- ومنها قوله عز شأنه: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين.
9- ومنها قوله عز شأنه: فاصفح الصفح الجميل.
10- نماذج من عفو النبي :
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال : «قد لقيت من قومي وكان أشد ما لقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرية الثعالب فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت منهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي وقال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بما شئت فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» [رواه البخاري ومسلم].
عن أنس كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه جبذةً شديدة فنظرت إلى صفحة عنقه اليمنى وقد أثرت بها حاشية البردة من شدة جبذته.
11- ومن عفوه ، جاء في حديث ابن مسعود كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»[متفق عليه].
12- وكذلك كان العفو من هدي الرسل الكرام.
فهذا نبي الله يوسف الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم حسده إخوته وألقوه في الجب ونال منهم ألواناً من الأذى. ثم هو يقول لهم: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
13- وأبو بكر الصديق خير الناس بعد الأنبياء، كان من قرابته مسطح بن أثاثة وكان أبو بكر ينفق عليه ويحسن إليه فلما خاض مسطح فيمن خاض في حادثة الإفك، حلف أبو بكر ألا يحسن إليه كما كان يحسن في السابق فعاتبه ربه عز وجل وأنزل: ولا يأتل ألوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم فقال: بلى، أحب أن يغفر الله لي، وعاد إلى ما كان عليه من الإحسان إليه وكفّر عن يمينه.
14- زين العابدين أتت جاريته تصب الماء عليه فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه فقالت: والكاظمين الغيظ فقال: كظمت غيظي، قالت: والعافين عن الناس قال: عفوت عنك، قالت: والله يحب المحسنين، قال: أنت حرة لوجه الله.
15- عفو الإمام أحمد عمن أساء إليه.
16- عفو شيخ الإسلام ابن تيمية.
17- عن أبي هريرة أن رجلاً شتم أبا بكر والنبي جالس فجعل النبي يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت قال: إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأبقى مع الشيطان ثم قال: يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغض عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة.
18- عن أبي هريرة قال : «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» [مسلم].
19- العفو من شيم الكرام:
قال الإمام الشافعي:
أحب من الإخوان كل مواتي وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني فـي كل أمر أريـده ويحفظنـي حيـا وبعـد ممـاتـي
فمن لي بهذا ليت أني أصبته لقاسمتـه مـالـي مـن الحسنـات
تصفحت إخواني فكـان أقلهم على كثـرة الإخـوان أهل ثقـات
وقال أيضاً:
أقبل معاذير من يأتيك معتـذراً إن برّ عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا
|