الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فحديثنا اليوم عن الوزير الثاني لرسول الله أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي وأرضاه، وما أكثر ما كان يقال جاء رسول الله وأبو بكر وعمر، وخرج رسول الله وأبو بكر وعمر.
فهما وزيراه اللذان هما هما لفضائل الأعمال مستبقان
وقد تزوج النبي ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنهما كما تزوج عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما إكراماً لصاحبيه اللذين هما جاراه في قبره لا يشاركهما في هذه المنقبة أحد إلا عيسى بن مريم عليهما السلام فيما رواه البخاري في التاريخ أنه عليه السلام عندما يموت في آخر الزمان يصلي عليه المسلمون ويدفن بجوار النبي وأبي بكر وعمر.
عن جابر بن عبد الله قال رسول الله : «أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس» [رواه الطبراني وحسنه الألباني].
وقال : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» [رواه أصحاب السنن عن ابن مسعود وابن عمر وحذيفة وأنس، الصحيحة 1233].
كان النبي يدعو الله تعالى أن يعز به الإسلام فاستجاب الله دعاءه، وفي قصة إسلامه أنه سمع النبي يقرأ سورة الحاقة وهو قائم يصلي عند الكعبة، فقال في نفسه: هذا شاعر، فسمع قوله تعالى: وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنونفقال عمر في نفسه: إذن هو كاهن، فسمع قوله تعالى: ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمينفشرح الله صدره للإسلام وكذلك أيضاً أنه دخل على أخته فاطمة وزوجها وعندهما خباب يعلمهم القرآن فاستمع إلى الآيات من سورة طه فلما أسلم ضرب النبي صدره ثلاثاً وهو يقول: «اللهم أخرج ما في صدره من غل وأبدله إيماناً».
كان إسلامه عزة للإسلام قال ابن مسعود: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) [رواه البخاري].
وقال ابن مسعود عن عمر: (كان إسلامه فتحاً، وهجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر) [رواه ابن هشام وابن سعد].
سماه النبي الفاروق: أي الذي يفرق بين الحق والباطل.
كان شديد الخوف من الله تعالى حتى حفرت الدموع خطين أسودين في وجهه من كثرة البكاء، ومن خاف الله تعالى أخاف الله منه كل شيء، فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي قال لعمر: «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك» [رواه البخاري ومسلم]. وعن بريدة أنه قال: «إن الشيطان ليفر منك يا عمر» [أحمد والترمذي صحيح الجامع 1650].
ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وتوفي وله ثلاث وستون سنة في مثل عمر النبي وأبي بكر.
وكان عمر طويلاً جسيماً أصلع أسمر، وكان لفرط طوله يركب الدابة فيرفع رجليه عن الأرض لئلا تمس رجلاه الأرض وهو راكب ولذا كان يقال له: (الراجل الراكب).
وكان يجيد الكتابة بكلتا يديه، وكان في الجاهلية سفير قريش لدى القبائل إذا وقع بينهم حرب أو مفاخرة.
وكان نقش خاتمه: (كفى بالموت واعظاً يا عمر).
عن عقبة بن عامر أن النبي قال: «لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب» [أحمد والترمذي صحيح الجامع 5160].
بشره النبي بالجنة مراراً وبشره بالشهادة في سبيل الله، ورأى له الرؤى التي تدل على فضله وشرفه، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله : «بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر» قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله قال: «العلم»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «رأيتني في المنام والناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها إلى كذا، ومر عمر بن الخطاب يجر قميصه» فقيل يا رسول الله: ما أولت ذلك قال: «الدين».
هاجر وشهد بدراً وبيعة الرضوان والمشاهد كلها مع رسول الله حتى توفي وهو عنه راض ثم كان قاضياً لأبي بكر ووزيراً له مدة خلافته إلى أن حضرت أبا بكر الوفاة فاستخلفه من بعده، وكلمه بعض الناس في شدة عمر وقالوا له: ماذا تقول لربك إذا سألك من استخلفت عليهم قال أقول: (قد استخلفت عليهم خير خلقك).
فلما ولي عمر الخلافة سار بأحسن سيرة وقال للناس: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف.
وفتح الله له الفتوح العظيمة في مشارق الأرض ومغاربها.
وهو أول من اتخذ الدرة يؤدب بها المسيء، وأول من سمي بأمير المؤمنين، وأول من أرخ بالتاريخ الهجري.
كان في مدة خلافته من أشد الناس زهداً وتواضعاً في لباسه وطعامه ومركبه يلبس الخشن من الثياب، ويأكل الخشن من الطعام.
ولما حدثت مجاعة في عهده أخذ على نفسه ألا يأكل إلا ما يأكله فقراء المسلمين، فكان يأكل الخبز اليابس بالزيت.
ولما ذهب إلى الشام ليستلم مفاتيح بيت المقدس ذهب وثوبه مرقع ومعه حمار يتناوب ركوبه هو غلامه، وجاء عليه الدور ليمشي عند الوصول فأصر على أن يدخل على وجهاء الشام ماشياً وغلامه راكب.
ولما قدم وفد المسلمين ومعهم الهرمزان - وكان قائداً من قواد كسرى - دخلوا على عمر وقد نام في المسجد وتوسد برنساً كان قد أعده لاستقبال الوفد فجعل الهرمزان يقول: أين عمر؟ قالوا: هو ذا ويخفضون أصواتهم لئلا ينبهوه وجعل الهرمزان يقول: أين حُجّابه؟ وأين حرسه؟ قالوا: ليس له حجاب ولا حرس ولا كاتب، فقال: هذا ينبغي أن يكون نبياً، فقالوا: إنه يعمل بعمل الأنبياء، وقد أسلم بسبب ذلك الهرمزان.
قال حافظ إبراهيم في قصيدته العمرية:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعيـة عطلاً وهو راعيهـا
وعهـده بملـوك الفـرس أن لهـا سوراً من الجند والأحراس يحميها
فقـال قولـة حـق أصبحت مثـلاً وأصبـح الجيـل بعد الجيل يرويها
أمنت لمـا أقمـت العـدل بينهـم فنمت ،ـوم قـرير العـين هانيها
ولأجل ما فتح الله على يديه وما حصل للإسلام من عز في عهده حقد عليه أعداء الإسلام ودبروا مكرهم للانتقام منه، فقتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو قائم يصلي بالناس صلاة الفجر إماماً، فختم له بالشهادة وأرضاه.
|