وبعد:
أيها المسلمون!
إنها أيام قلائل ويدخل علينا شهر كريم مبارك، جعله الله تعالى موسمًا عظيمًا من مواسم الطاعات، من وفقه الله تعالى فيه لطاعته فقد فاز، ومن خذل فيه فقد هلك، شهر قال الله تعالى فيه: شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِي أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : «أتاني جبريل فقال: يا محمد ، من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، قال: يا محمد ، من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين» رواه ابن حبان والطبراني وهو في صحيح الجامع (75).
فما ظنكم بدعوة دعاها الروح الأمين وأمَّن عليها سيد المرسلين ؟!
أيها المسلمون!
لقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، وما ذلك إلا لما علموه من الفضائل العظيمة لهذا الشهر المبارك.
كان النبي يبشر أصحابه بدخول شهر رمضان، فيقول لهم كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أتاكم شهر رمضان شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرم» رواه أحمد والنسائي وهو في صحيح الجامع (55).
أيها المسلمون!
كم أذنبنا وقصَّرنا في رجب وشعبان، فعلينا أن نستدرك ما فات ونعوضه بالإحسان في شهر رمضان، ولله در القائل:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتَّى عصى ربه فِي شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصـوم بعدهمـا فلا تصيِّره أيضًا شهر عصيـان
واتـل القرآن وسبّح فيـه مجتهدًا فإنـه شهـر تسبيح وقـرآن
كم كنت تعرف ممن صام فِي سلف من بين أهل وجيـران وإخوان
أفنـاهم الموت واستبقـاك بعدهم حيا فما أقرب القاصي من الداني
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع (759).
بيّن في هذا الحديث عددًا من فضائل رمضان، ففيه تقيَّد الشياطين بالسلاسل، فلا يتوصّلون إلى ما كانوا يتوصلون إليه من الشر في غير رمضان، غير أن هذا لا يمنع من وقوع معاصٍ في شهر رمضان بسبب النفوس الآدمية الأمّارة بالسوء، وتغلق أبواب النار السبعة علامة على انسداد أبواب الشر على الناس في هذا الشهر، وتفتح أبواب الجنة الثمانية علامة على انفتاح أبواب الخير وتيسير الطاعات في هذا الشهر، وينادي ملكٌ كريم مكلّف بذلك: يا باغي الخير أقبل أي: تعال يا من تريد الخير، ويا باغي الشر أقصر أي: ابتعد وأمسك عن الشر يا من تريد الشر، ويعتق الله تعالى كل ليلة عددًا من خلقه فيحرم عليهم دخول النار ويكتب لهم الجنة، نسأل الله تعالى أن يعتقنا من النار.
شهر رمضان سبب لتكفير السيئات ومغفرة الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم، وعنه أيضًا رضي الله عنه قال : «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري.
«إيمانًا» أي: بفرضية الصوم وسنيّة القيام، «واحتسابًا» أي: طلبًا للأجر والثواب من الله سبحانه. فهذه ثلاثة أسباب كل واحد منها كافٍ بإذن الله في حصول المغفرة لما سبق من الذنوب، فكيف باجتماعها؟! وكلها بفضل الله في هذا الشهر الكريم المبارك.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب، منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيُشفعان»رواه أحمد وهو في صحيح الجامع (3882).
وقال الله تعالى: كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئًَا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ [الحاقة:24]، قال كثير من السلف: "هذه الآية نزلت في الصائمين يقال لهم ذلك يوم القيامة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: «كل عمل ابن آدم له يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي، والصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» رواه البخاري ومسلم.
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي قال: «إن للجنة بابًا يقال له: الريان، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب»، وفي لفظ: «لا يدخله إلا الصائمون» رواه البخاري ومسلم.
|