تفسير الإمام ابن كثير سورة لقمان من آية ٢٠ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ الإستعداد للموت قبل نزوله خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٣ إلى ٣٣٥ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٦ => القواعد النورانية الفقهية ۞ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ ثلاث مهلكات وثلات منجيات خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٦ إلى ٣٣٩ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٧ => القواعد النورانية الفقهية ۞ إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم للوزير ابن هبيرة باب المضاربة من المسألة ١٤١٢ إلى ١٤١٨ => اجماع الأئمة الأربعة واختلافهم ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١ إلى ١٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١٨ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ خطبة عيد الأضحى ١٤٤٤هـ للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي في ساحة مسجد دار الفاروق بمدينة بلومنتون ولاية مينيسوتا => خطب الجمعة ۞ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ خطبة الجمعة للشيخ د وليد المنيسي => خطب الجمعة ۞ من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير سورة البقرة ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ شرح كتاب تفسير للإمام إبن كثير تفسير آية ١٠٠ من سورة الكهف => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١ إلى ٦ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٧ إلى ١٣ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١٤ إلى ٢٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٢٦ إلى ٢٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٠ إلى ٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع تفسير الآيات من ٣٣ إلى ٣٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٣٦ و ٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٨ إلى ٤٠ => تفسير ابن كثير ۞ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤١ إلى ٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ كل نفس ذائقة الموت خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ المحاضرة الأولى عن الرجاء بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثانية عن قسوة القلب بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثالثة عن الصدق بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤٥ إلى ٥٠ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع آية ٥٠ و٥١ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٢ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٣و٥٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٥ و٥٦ => تفسير ابن كثير ۞ إنما المؤمنون إخوة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ الدرس الأول من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثاني من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثالث من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الرابع من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الخامس من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس السادس والأخير من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

القائمة الرئيسية
المرئيات الأكثر زيارة
الكتب الأكثر زيارة

3- من قوله: فصل: وقد تقدم أن دين الله وسط

3- من قوله: فصل: وقد تقدم أن دين الله وسط
394 زائر
18-05-2016
HTML Editor - Full Version

فصلٌ

وقد تَقَدّم أن دين الله وَسَطٌ بين الغالي فيه والجافي عنه، والله تعالى ما أَمَرَ عباده بِأَمْرٍ إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يُبالي بأيهما ظَفِر: إما إفراط فيه وإما تفريط فيه..

وإذا كان الإسلام الذي هو دين الله لا يقبل من أحد سواه قد اعترض الشيطان كثيراً ممَّنْ ينتسب إليه حتى أخرجه عن كثير من شرائعه؛ بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها عنه حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، وأَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المارقين منه، فَثَبَت عنه في الصحاح وغيرها من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وسهل بن حنيف وأبي ذر الغفاري وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم وغير هؤلاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَر الخوارج فقال: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم أو فقاتلوهم؛ فإن في قَتْلهم أجراً عند الله لِمَنْ قَتَلَهم يوم القيامة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قَتْل عاد».

وفي رواية: «شر قتيل تحت أديم السماء، خير قتيل مَنْ قتلوه».

وفي رواية: «لو يعلم الذين يُقاتلونهم ما زُوِي لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لَنَكِلوا عن العمل».

وهؤلاء لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَاتَلَهم هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأَمْر النبي صلى الله عليه وسلم وتحضيضه على قِتالهم، واتفق على قتالهم جميعُ أئمة الإسلام.

وهكذا كل مَنْ فَارَق جماعة المسلمين، وخَرَج عن سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته من أهل الأهواء المضلة والبدع المخالِفة.

ولهذا قاتَل المسلمون أيضاً الرافضة الذين هم شرٌّ من هؤلاء، وَهُم الذين يُكَفِّرون جماهير المسلمين مثل الخلفاء الثلاثة وغيرهم، ويزعمون أنهم هم المؤمنون ومَنْ سواهم كافر، ويُكَفّرون مَنْ يقول: إن الله يُرَى في الآخرة، أو يؤمن بصفات الله وقُدرته الكاملة ومشيئته الشاملة، ويُكَفّرون مَنْ خالفهم في بدعهم التي هم عليها.

فإنهم يمسحون القَدَميْن ولا يمسحون على الخُف، ويُؤَخّرون الفطور والصلاة إلى طلوع النجم، ويجمعون بين الصلاتين من غير عُذر، ويقنتون في الصلوات الخمس، ويُحَرّمون الفقاع وذبائح أهل الكتاب وذبائح مَنْ خالفهم من المسلمين؛ لأنهم عندهم كفار، ويقولون على الصحابة رضي الله عنهم أقوالاً عظيمة لا حاجة إلى ذِكْرها هنا... إلى أشياء أُخَر، فَقَاتَلَهم المسلمون بأَمْر الله ورسوله.

فإذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين قد انتسب إلى الإسلام مَنْ مَرَقَ منه مع عبادته العظيمة حتى أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فيُعْلَم أن المنتسب إلى الإسلام أو السُّنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام والسُّنة، حتى يدعي السُّنة مَنْ ليس من أهلها بل قد مَرَق منها، وذلك بأسباب؛ منها:

الغلو الذي ذَمّه الله تعالى في كتابه حيث قال: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ[النساء:171] إلى قوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا[النساء:171].

وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ[المائدة:77].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك مَنْ كان قبلكم الغلو في الدين»، وهو حديث صحيح.

ومنها: التفرق والاختلاف الذي ذَكَرَه الله تعالى في كتابه العزيز.

ومنها: أحاديث تُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي كَذِبٌ عليه باتفاق أهل المعرفة، يسمعها الجاهل بالحديث فيُصَدِّق بها لموافقة ظنه وهواه.

وأصل الضلال اتّباع الظَّنّ والهوى، كما قال الله تعالى في حق مَنْ ذَمّهم: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى[النجم:23].

وقال في حق نَبِيّه صلى الله عليه وسلم:

﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى[النجم:1]

﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى[النجم:2]

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى[النجم:3]

﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[النجم:4].

فَنَزَّهه عن الضلال والغواية اللذيْن هما الجهل والظّلم، فالضال هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتّبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وَحْي أوحاه الله إليه، فَوَصَفَه بالعلم، وَنَزّهه عن الهوى.

وأنا أذكر جوامع من أصول الباطل التي ابتدعها طوائف ممَّنْ ينتسب إلى السُّنة وقد مَرَقَ منها وصار من أكابر الظالمين، وهي فصول:

الفصل الأول: أحاديث رووها في الصفات زائدة على الأحاديث التي في دواوين الإسلام مما نعلم باليقين القاطع أنها كذب وبهتان؛ بل كُفْر شنيع.

وقد يقولون من أنواع الكفر ما لا يروون فيه حديثاً؛ مثل حديث يروونه: (أن الله ينزل عشية عرفة على جَمَل أورق، يُصافح الركبان، ويُعانق المشاة)!، وهذا من أعظم الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقائله من أعظم القائلين على الله غير الحق، ولم يرو هذا الحديث أحد من علماء المسلمين أصلاً، بل أجمع علماء المسلمين وأهل المعرفة بالحديث على أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أهل العلم كـ ابن قُتيبة وغيره: هذا وأمثاله إنما وَضَعَه الزنادقة الكفار ليشينوا به على أهل الحديث، ويقولون: إنهم يروون مثل هذا.

وكذلك حديث آخر فيه: (أنه رأى ربّه حين أفاض من مزدلفة يمشي أمام الحجيج وعليه جُبّة صوف).

أو ما يُشِبْه هذا البهتان والافتراء على الله الذي لا يقوله من عَرَفَ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا حديث فيه: (أن الله يمشي على الأرض)، فإذا كان موضع خُضرة قالوا: هذا موضع قدميه، ويقرءون قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا[الروم:50].

هذا أيضاً كَذِب باتفاق العلماء، ولم يَقُل الله: (فانظر إلى آثار خطى الله) وإنما قال: ﴿آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ[الروم:50] ورحمته هنا: النبات.

وهكذا أحاديث في بعضها: (أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربّه في الطواف)، وفي بعضها: (أنه رآه وهو خارج من مكة)، وفي بعضها: (أنه رآه في بعض سكك المدينة)، إلى أنواع أُخَر.

وكل حديث فيه أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه في الأرض فهو كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم؛ هذا شيء لم يَقُله أحد من علماء المسلمين ولا رواه أحد منهم.

وإنما كان النزاع بين الصحابة رضي الله عنهم في أن محمداً صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه ليلة المعراج؟ فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السُّنة يقولون: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك، ولم ترو عائشة رضي الله عنها في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ولا سألته عن ذلك، ولا نُقِلَ في ذلك عن الصديق رضي الله عنه كما يروونه ناس من الجهال أن أباها سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم»، وقال لـ عائشة: «لا»، فهذا الحديث كذب باتفاق العلماء.

ولهذا ذَكَر القاضي أبو يعلى وغيره أنه اختلفت الراوية عن الإمام أحمد رحمه الله هل يقال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه، أو يقال: بعين قلبه، أو يقال: رآه، ولا يقال بعيني رأسه ولا بعين قلبه؟ على ثلاث روايات.

وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال عليه الصلاة والسلام: «رأيت ربي في صورة كذا وكذا»، يُروى من طريق ابن عباس رضي الله عنهما ومن طريق أم الطفيل رضي الله عنها وغيرهما، وفيه: «أنه وَضَع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري»، هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج، فإن هذا الحديث كان بالمدينة..

وفي الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الصبح ثم خرج إليهم وقال: رأيت كذا وكذا»، وهو من رواية مَنْ لم يُصَلّ خلفه إلا بالمدينة كـ أم الطفيل وغيرها..

والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم وبنَصّ القرآن والسُّنة المتواترة، كما قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى[الإسراء:1]..

فَعُلِمَ أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة،كما جاء مُفَسَّراً في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منام، مع أن رؤيا الأنبياء وَحْي، لم يكن رؤيا يقظة كما في ليلة المعراج.

وقد اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَرَ ربه بعينيه في الأرض، وأن الله سبحانه وتعالى لم ينزل له إلى الأرض، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم قط حديث فيه أن الله نزل له إلى الأرض، بل الأحاديث الصحيحة: «إن الله يدنو عشية عرفة»، وفي رواية: «إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَنْ يدعوني فأستجيب له؟ مَنْ يسألني فأعطيه؟ مَنْ يستغفرني فأغفر له؟».

وثَبَتَ في الصحيح: «أن الله يدنو عشية عرفة»، وفي رواية: «إلى سماء الدنيا فيُباهي الملائكة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شُعثاً غبراً، ما أراد هؤلاء؟».

وقد رُوِي أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان -إن صح الحديث- فإن هذا مما تكلم فيه أهل العلم.

وكذلك ما رَوى بعضهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل من حِراء تَبَدّى له ربه على كرسي بين السماء والأرض)؛ غلط باتفاق أهل العلم، بل الذي في الصحاح: «أن الذي تَبَدّى له الملك الذي جاءه بحراء في أول مرة، وقال له: اقرأ فقلت: لست بقارئ»، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: «لست بقارئ» فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[العلق:1]

﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ[العلق:2]

﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[العلق:3]

﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ[العلق:4]

﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[العلق:5]

فهذا أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم جَعَلَ النبي صلى الله عليه وسلم يُحَدِّث عن فترة الوحي قال: «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً، فرفعت رأسي فإذا المَلك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض».. رواه جابر رضي الله عنه في الصحيحين، فأخبر أن المَلك الذي جاءه بحراء رآه بين السماء والأرض، وذَكَرَ أنه رُعِبَ منه، فوقع في بعض الروايات: (المَلَك) فظن القارئ أنه (المَلِك)، وأنه الله؛ وهذا غلط وباطل.

وبالجملة: أن كل حديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه في الأرض، وفيه: أنه نزل له إلى الأرض، وفيه: أن رياض الجنة من خطوات الحق، وفيه: أنه وطئ على صخرة بيت المقدس؛ كل هذا كَذِب باطل باتفاق علماء المسلمين من أهل الحديث وغيرهم.

وكذلك كل مَنْ ادّعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السُّنة والجماعة؛ لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحداً من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت، وثَبَت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سَمْعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ذَكَر الدجال قال: «واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت».

وكذلك رُوِي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أُخَر يُحَذِّر أُمّته فتنة الدجال، ويُبيّن لهم أن أحداً منهم لن يرى ربه حتى يموت فلا يظنن أحد أن هذا الدجال الذي رآه هو ربه.

ولكنّ الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب ومُشاهداتها وتجلياتها هو على مراتب كثيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمّا سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

وقد يَرى المؤمن ربّه في المنام في صُوَر متنوعة على قَدْر إيمانه ويقينه؛ فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نَقْصٌ رأى ما يُشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حُكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة، ولها تعبير وتأويل لِما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق.

وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضاً من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام، فيرى بقلبه مثلما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه، فهذا كله يقع في الدنيا.

وربما غَلَبَ أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ، فيعلم أنه منام، وربما علم في المنام أنه منام.

فهكذا من العباد مَنْ يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تُفْنِيَه عن الشعور بحواسه، فيظنها رؤية بعينه وهو غالط في ذلك، وكل مَنْ قال من العُبّاد المتقدمين أو المتأخرين: أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان.

نعم، رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة، وهي أيضاً للناس في عرصات القيامة، كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحواً ليس دونه سحاب».

وقال صلى الله عليه وسلم: «جنات الفردوس أربع: جنتان من ذهب آنيتهما وحِلْيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وحِليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رِداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن».

وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا دَخَل أهل الجنةِ الجنةَ نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن يُنجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يُبَيّض وجوهنا ويُثَقِّل موازيننا ويُدخلنا الجنة ويُجِرْنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة».

وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح، وقد تَلَقّاها السلف والأئمة بالقَبول، واتفق عليها أهل السُّنة والجماعة، وإنما يُكَذِّب بها أو يُحَرّفها الجهمية ومَنْ تَبِعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم، الذين يُكَذِّبون بصفات الله تعالى وبرؤيته وغير ذلك، وهُم المُعَطِّلة شرار الخلق والخليقة.

ودين الله وسط بين تكذيب هؤلاء بما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في الآخرة وبين تصديق الغالية بأنه يُرَى بالعيون في الدنيا، وكلاهما باطل.

وهؤلاء الذين يزعم أحدهم أنه يراه بعيني رأسه في الدنيا هُم ضُلّال كما تقدم، فإن ضموا إلى ذلك أنهم يرونه في بعض الأشخاص: إما بعض الصالحين، أو بعض المِردان، أو بعض الملوك أو غيرهم عَظُم ضلالهم وكُفرهم، وكانوا حينئذٍ أضل من النصارى الذين يزعمون أنهم رأوه في صورة عيسى ابن مريم.

بل هُم أضل مِنْ أتباع الدَّجال الذي يكون في آخر الزمان ويقول للناس: أنا ربكم، ويأمر السماء فتُمطر، والأرض فتُنبت، ويقول للخَرِبة: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها.

وهذا هو الذي حَذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم أُمّته، وقال: «ما من خَلْق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال»، وقال: «إذا جلس أحدكم في الصلاة فليستعذ بالله من أربع؛ ليقل: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال».

فهذا ادّعى الربوبية وأتى بشُبهات فَتَنَ بها الخَلْق، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه أعور؛ وإن ربكم ليس بأعور، واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت» فَذَكر لهم علامتين ظاهرتين يعرفهما جميع الناس، لعِلْمِه صلى الله عليه وسلم بأن من الناس مَنْ يضل فيُجَوّز أن يَرى ربه في الدنيا في صورة البشر، كهؤلاء الضُّلّال الذين يعتقدون ذلك..

وهؤلاء قد يُسمون الحلولية والاتحادية، وهم صنفان:

* قوم يخصونه بالحلول أو الاتحاد في بعض الأشياء، كما يقوله النصارى في المسيح عليه السلام، والغالية في علي رضي الله عنه ونحوه، وقوم في أنواع من المشايخ، وقوم في بعض الملوك، وقوم في بعض الصور الجميلة..، إلى غير ذلك من الأقوال التي هي شر من مقالة النصارى.

* وصنف يعمّون فيقولون بحلوله أو اتحاده في جميع الموجودات حتى الكلاب والخنازير والنجاسات وغيرها؛ كما يقول ذلك قوم من الجهمية، ومَنْ تَبِعهم من الاتحادية كأصحاب ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني والبلياني وغيرهم.

ومذهب جميع المُرسلين ومَنْ تَبِعهم من المؤمنين وأهل الكتاب أن الله سبحانه خالق العالمين، ورب السموات والأرض وما بينهما، ورب العرش العظيم، والخَلْق جميعهم عباده وهم فقراء إليه، وهو سبحانه فوق سماواته على عرشه، بائن من خَلْقه، ومع هذا فهو معهم أينما كانوا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[الحديد:4].

فهؤلاء الضُّلّال الكفار الذين يزعم أحدهم أنه يرى ربه بعينيه، بل ربما يزعم أنه جَالَسَه وحَادَثه أو ضَاجَعَه! وربما يُعَيِّن أحدهم آدمياً إما شخصاً أو صبياً أو غير ذلك، ويزعم أنه كَلّمهم، يُستتابون فإن تابوا وإلا ضُرِبَت أعناقهم وكانوا كفاراً؛ إذ هُم أكفر من اليهود والنصارى الذين قالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ[المائدة:17]، فإن المسيح رسول كريم وجيه عند الله في الدنيا والآخرة ومن المقربين، فإذا كان الذين قالوا: إنه هو الله وإنه اتحد به أو حَلّ فيه قد كَفّرهم وعَظَّمَ كُفْرَهم، بل الذين قالوا: إنه اتخذ ولداً حتى قال سبحانه وتعالى:

﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا[مريم:88]

﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا[مريم:89]

﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا[مريم:90]

﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا[مريم:91]

﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا[مريم:92]

﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا[مريم:93]

فكيف بِمَن يزعم في شخص من الأشخاص أنه هو؟ هذا أكفر من الغالية الذين يزعمون أن علياً رضي الله عنه أو غيره من أهل البيت هو الله.

وهؤلاء هم الزنادقة الذين حَرَقهم علي رضي الله عنه بالنار، وأَمَر بأخاديد خُدَّت لهم عند باب كِندة، وقَذَفَهم فيها بعد أن أَجَّلَهم ثلاثاً ليتوبوا، فلمّا لم يتوبوا أحرقهم بالنار، واتفقت الصحابة رضي الله عنهم على قَتْلِهم، لكن ابن عباس رضي الله عنهما كان مذهبه أن يُقتلوا بالسيف بلا تحريق، وهو قول أكثر العلماء، وقصتهم معروفة عند العلماء.

| حفظ | Download , استماع | Play |
 
من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ - تفسير سورة البقرة
المجلس 17 - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية