تفسير الإمام ابن كثير سورة لقمان من آية ٢٠ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ الإستعداد للموت قبل نزوله خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٣ إلى ٣٣٥ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٦ => القواعد النورانية الفقهية ۞ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ ثلاث مهلكات وثلات منجيات خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٦ إلى ٣٣٩ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٧ => القواعد النورانية الفقهية ۞ إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم للوزير ابن هبيرة باب المضاربة من المسألة ١٤١٢ إلى ١٤١٨ => اجماع الأئمة الأربعة واختلافهم ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١ إلى ١٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١٨ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ خطبة عيد الأضحى ١٤٤٤هـ للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي في ساحة مسجد دار الفاروق بمدينة بلومنتون ولاية مينيسوتا => خطب الجمعة ۞ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ خطبة الجمعة للشيخ د وليد المنيسي => خطب الجمعة ۞ من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير سورة البقرة ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ شرح كتاب تفسير للإمام إبن كثير تفسير آية ١٠٠ من سورة الكهف => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١ إلى ٦ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٧ إلى ١٣ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١٤ إلى ٢٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٢٦ إلى ٢٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٠ إلى ٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع تفسير الآيات من ٣٣ إلى ٣٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٣٦ و ٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٨ إلى ٤٠ => تفسير ابن كثير ۞ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤١ إلى ٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ كل نفس ذائقة الموت خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ المحاضرة الأولى عن الرجاء بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثانية عن قسوة القلب بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثالثة عن الصدق بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤٥ إلى ٥٠ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع آية ٥٠ و٥١ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٢ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٣و٥٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٥ و٥٦ => تفسير ابن كثير ۞ إنما المؤمنون إخوة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ الدرس الأول من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثاني من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثالث من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الرابع من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الخامس من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس السادس والأخير من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

القائمة الرئيسية
المرئيات الأكثر زيارة
الكتب الأكثر زيارة

22- من قوله: فتح مصر

22- من قوله: فتح مصر
761 زائر
03-02-2016
صفحة جديدة 1

فتْح مصر

ولما كان بالشام استأذنه عمرو بن العاص في فتْح مصر، وَذَكَر له خيرها، وأنها قوة عظيمة لمملكة الروم، وكانت إذ ذاك تابعة لهم، عليها والٍ من قِبَلِهم يقيم بالإسكندرية..

فسيّره عمر بجيش كثيف، ثم أتبعه بالزبير بن العوام فاقتحموا باب أليون، وساروا في قُرى الريف إلى مصر، وهناك قابلهم الجاثليق أبو مريم ومعه الأسقف، بعثه المقوقس عظيم مصر لحماية البلاد..

فلما نزل بهم عمرو بدؤوه بالقتال..

فقال عمرو: لا تَعْجلوا حتى نُعذر إليكم، وليَبْرُز إليّ الجاثليق والأسقف..

فخرجا إليه فدعاهما إلى الإسلام أو الجزية، وأخبرهما بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر بسبب هاجر أم إسماعيل..

روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إنكم ستفتحون مصر وهي أرض فيها يُسمّى القيراط، فإذا فتحتموها فأحْسِنوا إلى أهلها فإن لهم ذمةً ورَحِمَا –أو قال- ذمةً وصِهْراً»..

فقال: قرابةٌ بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء..، أَمِّنّاً حتى نرجع إليك..

فقال: مثلي لا يُخْدَع، ولكني أؤجلكما ثلاثاً لتَنْظُرا..

فقالا: زدنا فزادهما يوماً ..

فرجعا إلى المقوقس- عظيم القبط-، وأرطبون الوالي من قِبَل الروم، فأخبراهما خبر المسلمين..

فأما أرطبون فأَبَى وعزم على الحرب، وبيّت المسلمين فهزموه هو وجُنده إلى الإسكندرية، ونَازَل المسلمون عين شمس (وهي المطرية وكانت على فرع من فروع النيل) فحاصروها..

وبعث عمرو لحصار الفرما أبرهة بن الصبّاح، ولحصار الإسكندرية عوف بن مالك..

وراسَله أهل البلاد وانتظروا ما يفعله المسلمون بعين شمس، وبعد مُدة من حصارها رضي أهلها بالصُّلح على إعطاء الجزية، وأَجْروا ما أُخِذَ قبل ذلك عنوة مُجرى الصُّلح، وشرطوا رَدّ السبايا فأرسل ابن العاص إلى أمير المؤمنين بذلك فأجاب..

وكتب لهم عمرو بذلك كتاباً هذا نصّه:

(بسم الله الرحمن الرحيم)

هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وأموالهم ومِلتهم وكنائسهم وصُلُبهم، وبَرّهم وبحرهم، لا يُدخَل عليهم شيء من ذلك ولا ينقص، ولا يُساكنهم النوب..

وعلى أهل مصر أن يُعطوا الجزية إن اجتمعوا على هذا الصُّلح، وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف درهم، وعليهم ما جنى لُصُوتهم، فإن أَبَى أحد منهم أن يُجيب رُفِع عنهم من الجزاء بقدرهم وذمّتنا ممَّنْ أَبَى بريئة، وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رُفِع عنهم بقدر ذلك، ومَنْ دخل في صُلحهم من الروم والنوب فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم، ومَنْ أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا..

عليهم ما عليهم أثلاثاً؛ في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين..

وعلى النوبة الذين استجابوا أن يُعينوا بكذا وكذا رأساً وكذا فرساً على أن لا يغزو ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة..

شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه وكتب وردان وحضر (عن الطبري)

فدخل في ذلك الصلح أهل مصر كلهم..

أما المبلغ الذي قُرِّرَ عليهم فبلغ ألف ألف ومائتين وخمسين ألفاً من دنانير اليوم باعتبار الدرهم قرشين ونصفاً؛ فلا ينال الشخص الواحد منهم إلا عُشْر الدينار أو ما يزيد على ذلك قليلاً، لأن تعداد مصر إذ ذاك كان على أقل ما ورد في كتب التاريخ عشرة آلاف ألف..

ثم نزل المسلمون على الفسطاط الذي ضربه عمرو واختطوا حوله خيامهم في الموضع الذي كانوا يُحاصرون مصر منه وهجروا المدينة التي كان يسكنها المقوقس..

وأسس عمرو بمدينته مسجده المشهور..

ولمّا انتهى أمر الصلح سار عمرو إلى الإسكندرية، فاجتمع له مَنْ بينها وبين الفسطاط من الروم والقبط فهزمهم وأثخن فيهم..

ونَازَل الإسكندرية، وطلب من أهلها النزول على صلح أهل مصر فلم يفعلوا؛ ففتحها عنوة وغَنِم ما فيها وجعلهم ذمة..

وكان الروم قد أخذوا في وقت الحرب شيئاً كثيراً من الأقباط أهل الأرياف فأتوا إلى عمرو وقالوا: لم نكن محاربين بل أُخِذت أموالنا قهراً عنّا، فرَدَّ عليهم ما عرفوه أنه لهم بعد إقامة البيّنة على ذلك..

ولمّا تم فتْح مصر والإسكندرية وارتحل الروم إلى القسطنطينية أقام المقوقس والقبط على الصلح الذي عقده لهم عمرو، وأبقى المقوقس على رياسة قومه، وكان المسلمون يشاورونه فيما ينزل بهم من المهمات إلى أن تُوفي، وكان يقيم بالإسكندرية وفي بعض الأوقات بمنف.

وبفتْح مصر انتهى ما فعله المسلمون رضوان الله عليهم مع الروم في مُدة عمر، أخذوا ولايتين عظيمتين الشام ومصر وجزءاً مُهِمِّاً من جنوب بلاد الروم (الأناضول)..

وبالإجمال فقد أضعفوا شوكتهم وأدالوا دولتهم، وحيث قد مضى القول فيما كان من الفتوحات زمن الخليفتين رضي الله عنهما، وكان من اللازم على المسلم أن يعرف تلك النظامات السامية التي كان يتّبعها المسلمون في ذلك العصر حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من خوارق العادات فنقول: كان عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصر الأمة في عهد الخليفتين من بعده مظهر الإسلام ونظاماته، فحُقَّ لنا أن نجعل هذا الوقت أساساً لنظام الإسلام في العصر الأول، ونحكم حُكماً قطعياً أن المسلمين إذا اتبعوها عَزّواً وإذا حادوا عنها ذلوا.

مقام الخلافة

مقام الخلافة: هو مقام نيابة عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا..

وكان الخلفاء الراشدون يستمدون أقوالهم وأفعالهم من: كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أو سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

ولذلك كانت الأمة تنظر إلى الخليفة نظرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبذلون له الطاعة في سرهم وعلانيتهم ممتثلين قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء:59]..

وقوله تعالى: ﴿وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾[النحل:91]

﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[النحل:92]..

وقوله: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[الفتح:10]..

فكانوا يرون أن عصيان الخليفة مروق عن الدين وخروج عن حدّه، ولم يكن ذلك نتيجة تكبّر أو تَرَفُّع من الخلفاء- حاشا لله- بل كان أصغر الناس يقف له الخليفة حتى تُقضَى حاجته اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يُجالِس الفقراء والمساكين لا يأنف من ذلك.

هذا كان حال الأمة مع الخليفة..

أما الخليفة فكان لا يعتقد في نفسه أنه أرقى درجة من الأمة، قال أبو بكر في أول خطبة له: (قد وُلِّيتُ عليكم وسلت بخيركم)..

ولم يكن يظن لنفسه أدنى تصرف في أموالهم ولا دمائهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «أيها الناس! إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»..

ولمّا أرسل خالد بن الوليد لأبي بكر هدية الفرس التي اعتادوا تقديمها لملوكهم عدّها من الجزية وأمر خالداً أن يحسبها منها..

ولما جاءت عمر ذخائر الأكاسرة بعد فتْح العراق ردّها لتُباع وتُقَسّم على الفاتحين كما أمر الله تعالى، ولما عدا جبلة بن الأيهم الغسّاني (آخر ملوك الغساسنة بالشام) على الأعرابي فلطم وجهه.. أَبَى عمر إلا القصاص..

وكان عمر يُرسِل لجميع الأُمة في الأمصار أن مَنْ آذاه والٍ أو أمير فليوافِ الموسم ليُقْتَصّ له، فكان الأمراء والولاة يخشون إيذاء مسلم أو ذمي لئلا يقتص منهم على رؤوس الأشهاد فينفضحوا..، فكانت الأُمّة في نظر الخليفة سواءً.. لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى..

قال أبو بكر في أول خطبة له: (الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه)..

ولم يكن الخليفة يحتجب عن الرعية حتى يصعب على أحد منهم أن يُكلّمه، فكان عمر لا يُبالي أن يجلس في المسجد أو في السوق..

وكانت الرحمة للأمة ملء قلوبهم تَشَبهُّاً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمّاه الله الرءوف الرحيم..

فكان أبو بكر وعمر يخرجان بالليل يتفقدان أحوال البائسين من الأُمة حتى لا يكون لأحد عليهما حجة يوم لا ينفع مال ولا بنون..

وكان عمر يقول: والذي بعث محمداً بالحق لو أن جَمَلاً هلك ضياعاً بشط الفرات خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب- يعني بذلك نفسه-..

وكان إذا ولّى عاملاً يقول: اللهم إني لم أبعثهم ليأخذوا أموالهم ولا يضربوا أبشارهم، مَنْ ظَلَمه أميره فلا إمْرة عليه دوني..

وكان يحمل الدقيق على ظهره ليُوصّله إلى الفقراء والمساكين..

(روى الطبري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب- رحمه الله- إلى حَرّة واقم، حتى إذا كنّا بصرار إذا نار تُؤَرَّث فقال: يا أسلم إني أرى هؤلاء رَكْباً قَصَّر بهم الليل والبرد.. انطلق بنا..

فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان لها وقِدْر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون..

فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء- وكَرِه أن يقول يا أصحاب النار-..

قالت: وعليك السلام..

قال: أأدنو؟

قالت: أُدْنُ بخيرٍ أو دَعْ..

فَدَنَا..

فقال: ما بالكم؟

قالت: قَصّر بنا الليل والبرد..

قال فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟

قالت: الجوع..

قال: وأي شيء في هذا القِدْر؟

قالت: ماء أُسَكِّتُهُم به حتى يناموا.. الله بيننا وبين عمر.

قال: أي رحمك الله ما يدري عمر بكم؟!

قالت: يتولى أمرنا ويغفل عنّا؟!

فأقبل عليّ، فقال: انطلِق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق فأخرج عِدْلاً فيه كُبّة شحم فقال: احمله علي..

فقلتُ: أحمله عنك..

قال: (احمله علي) مرتين أو ثلاثاً..

كل ذلك وأنا أقول: أنا أحمله عنك..

فقال في آخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة لا أم لك؟

فحملتُه عليه، فانطلق وانطلقتُ معه نهرول حتى انتهينا إليها، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً فجعل يقول: ذُرّي علي وأنا أُحَرِّك لكِ وجعل ينفخ تحت القِدر..

وكان ذا لحية عظيمة فجعلتُ أنظر إلى الدخان من خَلَل لحيته حتى أَنْضَجَ أُدْم القدر، ثم أنزلها وقال: ابغيني شيئاً، فأتته بصحيفة، فأفرغها فيها ثم جعل يقول: أطعميهم وأنا أسطح لكِ، فلم يزل حتى شبعوا..

ثم خلّى عندها فضْل ذلك، وقام، فقمتُ معه..

فجعلت تقول: جزاك الله خيراً، أنت أَوْلَى بهذا الأمر من أمير المؤمنين..

فيقول: قولي خيراً إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله..

ثم تنحّى عنها، ثم استقبلها ورَبَضَ مَربِض السبع، فجعلت أقول له: إن لك شأناً غير هذا، وهو لا يكلمني..

حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا وهدءوا، فقام وهو يحمد الله ثم أقبل عليّ، وقال: يا أسلم! إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببتُ أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيتُ منهم)..

بِقَدْر ما كانت رحمتهم كانت شِدّتهم في جانب الله وحدوده، ولا يُبالون على مَنْ أقاموها عليه، مُتّبعين ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سرقت المرأة المخزومية وكلموه في أن يعفو عن قطْع يدها: «إنه أهلك مَنْ كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها»..

وَحَدّ عمر ابنه في شراب له فمات، لم تمنعه رِقّة الأُبُوّة عن إقامة حدّ الله..

وعلى العموم فكان خُلُقُهم القرآن والسّنة لا ينحرفون عنها يمنة ولا يسرة، ويجتهدون أن يصيبوا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله في أمره كله.

الصلاة

كان المسلمون يعتقدون أن الفارق بين المسلم وغيره هو الصلاة قال تعالى:

﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]،

وقال:

﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ[العنكبوت:45] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سُئل أي الأعمال أفضل «الصلاة لوقتها» فكانوا يحافظون على أوقاتها، ولما كان للشرع مقصد سام من تفضيل صلاة الجماعة لتجتمع القلوب بالتوجه لوجهة واحدة كانوا يفضلون صلاة الجماعة على صلاة الفذ (المنفرد) حتى إنهم ليتهمون تاركها بالنفاق وناهيك بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق المتخلفين عنها:«والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمُر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم» رواه البخاري، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» وكانت إمامة المسلمين في الصلاة راجعة إلى الخليفة يعدها أرفع وظائفه ولقد استدل الصحابة رضوان الله عليهم على أحقية أبي بكر بالخلافة باستخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، له في الصلاة بالمسلمين حين مرضه ولم يكن الخلفاء يوكلون فيها بل كانوا يباشرونها بأنفسهم كما كان أمراؤهم في الولايات كذلك ومثل إمامة الصلاة الخطبة في أوقاتها والجمعة والأعياد والحوادث لا يقوم مقامه الخليفة أو أميره أحد من الناس، وهذا كان يفعل في المساجد الكبرى في الأمصار أما المساجد المختصة بقوم أو محلة فكان الخليفة يعين لها مَنْ يقوم بالصلاة فيها كما فعل عليه الصلاة والسلام مع أهل قباء وغيرهم وليس شأن الخطبة فإنه لم يكن في المصر الواحد إلا مسجد واحد جامع يقوم بالخطبة فيه أمير المؤمنين أو أمير المصر وجعل الشرع عقاب تارك الصلاة كسلاً: القتل إن لم يتب حسبما رآه بعض الفقهاء، ورأى آخرون أنه يعزر فحسب: أما إذا لم يعتقدها فهو مارق من الدين يقتل كفراً.

الزكاة

الزكاة هي أحد أركان الإسلام وقد أمر الشرع بأخذها من الأغنياء وردها على الفقراء وجعل لها نصاباً معلوماً متى ملكه الإنسان حقت عليه في النقدين والنعم وما يخرج من بركات الأرض وعروض التجارة ومن منعها قوتل عليها كما فعل أبو بكر مع مانعي الزكاة ومصارفها مذكورة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[التوبة:60] والفقراء والمساكين هم العاجزون عن إدراك حاجاتهم بأنفسهم والعاملون عليها هم العمال الذين يعينهم الخليفة لقبضها، والمؤلفة قلوبهم مَنْ لم يسلموا وينتظر إسلامهم إن أعطوا أو أسلموا وفي إسلامهم ضعف الإعطاء يقويه وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم القسمين بعد فتْح مكة، والرقاب هم المكاتبون الأرقاء الذين كاتبهم ملاكهم على شيء إذا دفعوه عتقوا أو الأسارى أو تشتري الرقاب فتعتق، والغارمون هم الذين ركبتهم الديون ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب وسبيل الله الجهاد وابن السبيل المنقطع عن ماله، ومن تأمل إلى نظام الزكاة وجده أبدع نظام لصلاح الأمة والحكومة فهي شيء لا يضر الأغنياء ويعود بالنفع العميم على الفقراء فتعم السعادة الأمة بأسرها فلا يشتغل أفرادها بالاحتيال لأخذ أموال الناس بالباطل سلباً أو سرقة ولا تتولد العداوة والبغضاء بين الغنى والفقير فيتمنى هذا هلاك ذاك وتسعث أمة بين أفرادها عداوة وبغضاء.

الحج

الحج ركن من أركان الدين العظمى وقد فرضه الله على كل مسلم مرة في عمره. قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آل عمران:97] وكان الذي يتولى الحج بالمسلمين خليفتهم وكان الخلفاء الراشدون يكتبون إلى ولاتهم بالأمصار أن يوافوا موسم الحج للاطلاع على أمرهم وسيرهم مع رعيتهم فمن كان لأحد من الرعية عليه شكوى اقتص منه مع ما في ذلك من رؤية المسلمين في بقاع الأرض لخليفتهم فيتجدد بذلك عنده عهد الطاعة وقلما كان الخلفاء ينسبون عنهم من يحج بالناس وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمرين جميعاً فحج بنفسه حجة الوداع أبا بكر أن يحج بالناس في السنة التاسعة.

الصوم

الصوم هو الركن الخامس من أركان الإسلام وقد فرضه الله على الأمة شهراً في السنة لتتهذب نفوسهم وتعطف على الفقراء والمساكين الذين بهم خصاصة فيعطوا الزكاة عن طيب نفس ولذا فرض الله عقبة زكاة الفطر وتارك الصوم يعزر بما يراه الإمام رادعاً، فما أوفق هذه الأركان وما أسعد الأمة لو اتبعتها ولم تتهاون بشيء منها فكلها لها حكمة باهرة لم يفرضها البارئ عبثاً، يا عجباً كل العجب لمَنْ يقول إني مسلم ثم هو يترك ركناً من أركان دينه ألا يرى أنه إذا نقض من البناء ركن تداعى له البناء كله، ويوشك أن ينقض من أسسه والعياذ بالله؟ ألهمنا يا الله الصواب ووفقنا لما يرضيك إنك سميع الدعاء.

القضاء

القضاء من وظائف الخلافة الكبرى لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسْماً للتداعي وقطْعاً للنزاع بالأحكام الشرعية المتلقاة من كتاب الله أو سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..

قال الله تعالى في سورة المائدة: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة:44],,

وفي آية أخرى ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[المائدة:45],,

وفي أخرى ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[المائدة:47]

وكان الخلفاء في صدر الإسلام يباشرونه بأنفسهم ولا يجعلونه لمَنْ سواهم، وأَوَّل مَنْ دفعه إلى غيره- كما قال ابن خلدون- هو عمر بن الخطاب فولّى أبا الدرداء معه بالمدينة، وولّى شُريحاً بالكوفة، وولّى أبا موسى الأشعري بالبصرة..

وكتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاء.. وهذا نصّه منقولاً عن الكامل للمبرد..

كتاب عمر في القضاء

(بسم الله الرحمن الرحيم)

من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس سلام عليك، أما بعد..

فإن القضاء فريضة مُحكمة وسُنة مُتَّبعة، فافهم إذا أُدْلِي إليك، فإنه لا ينفع تَكَلُّم بحق لا نفاذ له، آسِ بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حَيْفك ولا ييأس ضعيف من عدلك، والبيّنة على مَنْ ادّعى واليمين على مَنْ أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً..

لا يمنعك قضاء قَضَيْته بالأمس فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل..

الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سُنة..

ثم اعرف الأشباه والأمثال فقِسِ الأمور عند ذلك واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق..

واجعل لمَنْ ادّعى حقاً غائباً أو بيّنة أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بيّنته أخذت له بحقه، وإلا استحللت عليه القضية، فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى..

المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حدٍّ أو مُجَرّباً عليه شهادة زور أو ظنيناً في ولاء أو نَسَب، فإن الله تولّى منكم السرائر ودرأ بالبينات والأيمان..

وإياك الغَلَق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكّر عند الخصومات، فإن الحق في مواطن الحق يُعظِم الله به الأجر ويُحسِن به الذُّخْر، فمَنْ صحَّت نيّته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومَنْ تخلّق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله..

فما ظنّك بثواب الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام..

وإنما قلّد عمر القضاء لغيره لقيامه بالسياسة العامة وكثرة أشغالها في الجهاد والفتوحات، وسدِّ الثغور، وحماية البيضة..

ولم يكن ذلك مما يقوم به غيره لعِظَم العناية به فاستخفّ القضاء في الواقعات بين الناس واستخلف فيه مَنْ يقوم به تخفيفاً على نفسه..

وكان الذين يُنْتَخَبون لهذا العمل العظيم ممَّنْ كثُرت صحبتهم لرسول الله صلى عليه وسلم فسطع عليهم نوره، فهُم لذلك يقدرون على استنباط الأحكام من القرآن والسُّنة المطهرة ويتباعدون عن كل ما يُغضب الله ورسوله من جورو رشوة قال تعالى في سورة النساء:

﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ[النساء:58]

وقال فيها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[النساء:29]

حتى كانوا يتباعدون عن قبول الهدايا وإجابة الدعوة إلى الولائم فكان الولاة إذا ذاك سُرُجاً يُهتدَى بهم في الظلمات لا يريدون إلا الله بأعمالهم بعد أن قرُبت منهم الدنيا فابتعدوا عنها لِعلمهم أنها ظلمات يوم القيامة فرضي الله عنهم أجمعين.

| حفظ | Download , استماع | Play |
 
من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ - تفسير سورة البقرة
المجلس 17 - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية