تفسير الإمام ابن كثير سورة لقمان من آية ٢٠ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ الإستعداد للموت قبل نزوله خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٣ إلى ٣٣٥ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٦ => القواعد النورانية الفقهية ۞ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ ثلاث مهلكات وثلات منجيات خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٦ إلى ٣٣٩ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٧ => القواعد النورانية الفقهية ۞ إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم للوزير ابن هبيرة باب المضاربة من المسألة ١٤١٢ إلى ١٤١٨ => اجماع الأئمة الأربعة واختلافهم ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١ إلى ١٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١٨ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ خطبة عيد الأضحى ١٤٤٤هـ للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي في ساحة مسجد دار الفاروق بمدينة بلومنتون ولاية مينيسوتا => خطب الجمعة ۞ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ خطبة الجمعة للشيخ د وليد المنيسي => خطب الجمعة ۞ من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير سورة البقرة ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ شرح كتاب تفسير للإمام إبن كثير تفسير آية ١٠٠ من سورة الكهف => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١ إلى ٦ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٧ إلى ١٣ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١٤ إلى ٢٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٢٦ إلى ٢٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٠ إلى ٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع تفسير الآيات من ٣٣ إلى ٣٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٣٦ و ٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٨ إلى ٤٠ => تفسير ابن كثير ۞ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤١ إلى ٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ كل نفس ذائقة الموت خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ المحاضرة الأولى عن الرجاء بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثانية عن قسوة القلب بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثالثة عن الصدق بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤٥ إلى ٥٠ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع آية ٥٠ و٥١ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٢ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٣و٥٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٥ و٥٦ => تفسير ابن كثير ۞ إنما المؤمنون إخوة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ الدرس الأول من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثاني من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثالث من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الرابع من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الخامس من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس السادس والأخير من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

القائمة الرئيسية
المرئيات الأكثر زيارة
الكتب الأكثر زيارة

16- من قوله: فلو كان هذا مما يؤمر به ويستحب

16- من قوله: فلو كان هذا مما يؤمر به ويستحب
686 زائر
05-01-2016
صفحة جديدة 2

فلو كان هذا مما يؤمر به ويستحب وتصلح به القلوب للمعبود المحبوب لكان ذلك مما دلت الأدلة الشرعية عليه ومن المعلوم أنه لم يكن في القرون الثلاثة المفضلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» لا في الحجاز ولا في الشام ولا في اليمن ولا في العراق ولا في مصر ولا في خراسان أحد من أهل الخير والدين يجتمع على سماع المبتدع لصلاح القلوب ولهذا كرهه الأئمة كالإمام أحمد وغيره حتى عده الشافعي من أحداث الزنادقة حين قال خلقت ببغداد شيئا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن.

وأما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه لا نهي ولا ذم باتفاق الأئمة ولهذا إنما يترتب الذم والمدح على الاستماع لا على السماع فالمستمع للقرآن يثاب عليه والسامع له من غير قصد وإرادة لا يثاب على ذلك إذ الأعمال بالنيات وكذلك ما ينهى عن استماعه من الملاهي لو سمعه السامع بدون قصده لم يضره ذلك فلو سمع السامع بيتاً يناسب بعض حاله فحرك ساكنه المحمود وأزعج قاطنه المحبوب أو تمثل بذلك ونحو ذلك لم يكن هذا مما ينهى عنه وكان المحمود الحسن حركة قلبه التي يحبها الله ورسوله إلى محبته التي تتضمن فعل ما يحبه الله وترك ما يكرهه الله كالذي اجتاز بيتا فسمع قائلا يقول كل يوم تتلون * غير هذا بك أجمل فاخذ منه إشارة تناسب حاله فإن الإشارات من باب القياس والاعتبار وضرب الأمثال ومسألة السماع كبيرة منتشرة قد تكلمنا عليها في غير هذا الموضع..

والمقصود هنا أن القاصد المطلوبة للمريدين تحصل بالسماع الإيماني القرآني النبوي الديني الشرعي الذي هو سماع النبيين وسماع العالمين وسماع العارفين وسماع المؤمنين قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إذا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً﴾..

وقال تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أو لا تُؤْمِنُوا إن الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً﴾ وقال تعالى: ﴿وإذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾..

وقال تعالى: ﴿إنما الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾..

وقال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ .... الآية﴾..

وكما مدح المقبلين على هذا السماع فقد ذم المعرضين عنه في مثل قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا..

إلى قوله: وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم..

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً﴾..

وقال تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾..

وقال تعالى: ﴿إن شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ.... الآية﴾..

وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾..

وقال تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ ومثل هذا كثير في القرآن.

وهذا كان سماع سلف الأمة وأكابر مشايخها وأئمتها كالصحابة والتابعين ومن بعدهم من المشايخ كإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض، وأبى سليمان الداراني ومعروف الكرخي ويوسف بن أسباط وحذيفة المرعشي وأمثال هؤلاء..

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيقرءوهم يسمعون ويبكون وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم أن يقرأ القرآن والباقي يستمعون..

وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فجعل يستمع لقراءته وقال لقداوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود وقال مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك فقال لو علمت إنك تسمع لحبرته لك تحبراً أي لحسنته لك تحسيناً..

وقال صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن من صاحب بأصواتكم»...

وقال: «لله أشد أذناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته أذناً أي استماعاً»..

كقوله: وأذنت لربها وحقت.. أي استمعت..

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به»..

وقال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»..

ولهذا السماع من المواجيد العظيمة والأذواق الكريمة ومزيد المعارف والأحوال الجسيمة ما لا يتسع له خطاب ولا يحويه كتاب كما أن في تدبر القرآن وتفهمه من مزيد العلم والإيمان ما لا يحيط به بيان.

ومما ينبغي التفطن له أن الله سبحانه قال في كتابه: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله..

قال طائفة من السلف: ادعى قوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله.. الآية..

فبين سبحانه أن محبته توجب اتباع الرسول وإن اتباع الرسول يوجب محبة الله للعبد وهذه محبة امتحن الله بها أهل دعوى محبة الله فإن هذا الباب تكثر فيه الدعاوى والاشتباه..

ولهذا يروى عن ذي النون المصري أنهم تكلموا في مسألة المحبة عنده فقال اسكتوا عن هذه المسألة لئلا تسمعها النفوس فتدعيها.

وقال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد..

وذلك لأن الحب المجرد تنبسط النفوس فيه حتى تتوسع في أهوائها إذا لم يزعها وازع الخسية لله حتى قالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ويوجد في مدعى المحبة من مخالفة الشريعة ما لا يوجد في أهل الخشية ولهذا قرن الخشية بها في قوله: هذا ما توعدون.. لكل أواب حفيظ.. من خشي الرحمن بالغيب.. وجاء بقلب منيب.. ادخلوها بسلام.. ذلك يوم الخلود..

وكان المشايخ المصنفون في السنة يذكرون في عقائدهم مجانبة من يكثر دعوى المحبة والخوض فيها من غير خشية لما في ذلك من الفساد الذي وقع فيه طوائف من المتصوفـة وما وقع في هؤلاء من فساد الاعتقاد والأعمال أوجب إنكار الطوائف لأصل طريقة المتصوفة بالكلية حتى صار المنحرفون صنفين.

صنف يقر بحقها وباطلها وصنف ينكر حقها وباطلها كما عليه طوائف من أهل الكلام والفقه والصواب إنما هو الإقرار بما فيها وفى غيرها من موافقة الكتاب والسنة والإنكار لما فيها وفى غيرها من مخالفة الكتاب والسنة.

وقال تعالى: ﴿قُلْ أن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾..

فاتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وشريعته باطناً وظاهراً هي موجب محبة الله كما أن الجهاد في سبيله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه هو حقيقتها كما في الحديث: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»..

وفي الحديث: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان».

وكثير يدعى المحبة هو أبعد من غيره عن اتباع السنة وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ويدعي مع هذان أن ذلك أكمل لطريق المحبة من غيره لزعمه أن طريق المحبة لله ليس فيه غيره ولا غضب لله وهذا خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة ولهذا في الحديث المأثور يقول الله تعالى يوم القيامة: «أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»..

فقوله: أين المتحابون بجلال الله تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله وتعظيمه مع التحاب فيه وبذلك يكونون حافظين لحددوه دون الذين لا يحفظون حدوده لضعف الإيمان في قلوبهم وهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث: «حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتجالسين في وحقت محبتي للمتزاورين في وحققت محبتي للمتباذلين في» والأحاديث في المتحابين في الله كثيرة.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يرجع إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال أني أخاف الله رب العالمين».

وأصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى ولها أصلان:

أحدهما: وهو الذي يقال له محبة العامة لأجل إحسانه إلى عباده وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من أسماء إليها والله سبحانه هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة إذ هو ميسر الوسائط ومسبب الأسباب ولكن هذه المحبة في الحقيقة إذا لم تجذب القلب إلى محبة الله نفسه فما أحب العبد في الحقيقة إلا نفسه وكذلك كل من أحب شيئا لأجل إحسانه إليه فما أحب في الحقيقة إلا نفسه وهذا ليس بمذموم بل محمود.

وهذه المحبة هي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهلي بحبي»..

والمقتصر على هذه المحبة هو لم يعرف من جهة الله ما يستوجب أنه يحبه إلا إحسانه إليه وهذا كما قالوا: إن الحمد لله على نوعين:

حمد هو شكر وذلك لا يكون إلا على نعمته.

و حمد هو مدح وثناء عليه ومحبة له وهو بما يستحقه لنفسه سبحانه فكذلك الحب..

فإن الأصل الثاني فيه هو محبته لما هو له أهل وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحب لأجله وما من وجه من الوجوه التي يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه حتى جميع مفعولاته إذ كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ولهذا استحق أن يكون محمودا على كل حال ويستحق أن يحمد على السراء والضراء وهذا أعلى وأكمل وهذا حب الخاصة، وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم ويتلذذون بذكره ومناجاته ويكون لهم أعظم من الماء للسمك حتى لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون وهم السابقون كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بجبل يقال له جمدان فقال سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا: يا رسول الله! من المفردون؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات»...

وفى رواية أخرى قال: «المستهترون»..

وبذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافاً والمستهتر بذكر الله يتولع به ينعم به كلف لا يفتر منه.

وفى حديث هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال موسى: يا رب! أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يطلب علم الناس إلى علمه ليجد كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردي، قال: أي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم على نفسه كما يحكم على غيره ويحكم لغيره كما يحكم لنفسه» فذكر في هذا الحديث الحب والعلم والعدل وذلك جماع الخير.

ومما ينبغي التفطن له أنه لا يجوز أن يظن في باب محبة الله تعالى ما يظن في محبة غيره مما هو من جنس التجني والهجر والقطيعة لغير سبب ونحو ذلك مما قد يغلط فيه طوائف من الناس حتى يتمثلون في حبه بجنس ما يتمثلون به في حب من يصد ويقطع بغير ذنب أو يبعد من يتقرب إليه وإن غلط في ذلك من المصنفين في رسائلهم حتى يكون مضمون كلامهم إقامة الحجة على الله بل لله الحجة البالغة.

وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة»..

وفى بعض الآثار يقول الله تعالى: «أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيارتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي وإن تابوا فأنا حبيبهم لأن الله يحب التوابين وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب حتى أطهرهم من المعائب»..

وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً﴾..

قالوا الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره والهضم أن ينقض من حسنات نفسه..

وقال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾..

وفى الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم، يا عبادي أنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إلا إذا غمس في البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».

ومن ذلك رواه البخاري في صحيحة عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربى لا إله إلا الله أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت» من قالها إذا أصبح موقناً بها فمات في يومه دخل الجنة ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة.

فالعبد دائما بين نعمة من الله يحتاج فيها إلى شكر، وذنب منه يحتاج فيه إلى الاستغفار وكل من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائما فإنه لا يزال يتقلب في نعم الله وآلائه ولا يزال محتاجاً إلى التوبة والاستغفار.

ولهذا كان سيد آدم وإمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر في جميع الأحوال وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: «أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»..

وفى صحيح مسلم أنه قال: «إنه ليغان على قلبي وإني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة»..

وقال عبد الله بن عمر كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يقول رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة ولهذا شرع الاستغفار في خواتيم الأعمال قال تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ وقال بعضهم أحيوا الليل بالصلاة فلما كان وقت السحر أمروا بالاستغفار..

وفى الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام»..

وقال تعالى: ﴿فإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين﴾..

وقد أمر الله نبيه بعد أن بلغ الرسالة وجاهد في الله حقه جهاده وأتى بما أمر الله به مما لم يصل إليه أحد غيره..

فقال تعالى: ﴿إذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾ ولهذا كان قوام الدين بالتوحيد والاستغفار..

كما قال الله تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ الآية..

وقال تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إليه وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾..

وقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾..

ولهذا جاء في الحديث: «يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار»، وقد قال يونس: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابته يحمد الله ثلاثاً ثم يُكبّر ثلاثا، ويقول: «لا إله إلا أنت سبحانك، ظلمت نفسي فاغفر لي».

وكفارة المجلس التي كان يختم بها المجلس والوضوء: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

آخر القاعدة، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما وحسبنا الله ونِعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

| حفظ | Download , استماع | Play |
 
من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ - تفسير سورة البقرة
المجلس 17 - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية